الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وأجاب واستجاب عنى أي ويجيب الله تعالى الذين آمنوا إذا دعوا وحاصله يجيب دعاءهم، وجوز بعضهم أن يكون الكلام بتقدير هذا المضاف قيل: وهو أولى من القول بإيصال الفعل بحذف الصلة لأن حذف المضاف إذا لم يلبس منقاس وذاك مسموع، ويجوز أن يكون المراد يثيبهم على طاعتهم فإن الطاعة لكونها طلب ما يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاء وشابهت الإثابة عليها الإجابة، ومن هذا يسمى الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب عليه، وسئل سفيان عن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» فقال: هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين أتاه يبغي نائله: وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء الحمد لله» على معنى أن الحمد يدل على الدعاء والسؤال بطريق الكناية والتعريض، وقيل: هو على إطلاق الدعاء على الحمد لشبهه به في طلب ما يترتب عليه، وجوز أن يراد بالإجابة معناها الحقيقي والإثابة بناءً على القول بصحة الجمع بين الحقيقة والمجاز أي يجيب دعاءهم ويثيبهم على الطاعة {وَيَزِيدُهُمْ} على ما سألوا واستحقوا {مِن فَضْلِهِ} الواسع جل شأنه، وقيل: إن فاعل {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ} واستظهره أبو حيان، والجملة عطف على مجموع قوله تعالى: {هُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة} [الشورى: 25] إلخ أي ينقادون لله تعالى ويجيبونه سبحانه إذا دعاهم، وهو المروى عن ابن جبير، وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما لنا ندعوا فلا نجاب؟ فقال: لأنه سبحانه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} [يونس: 25] {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ} وهذا يؤكد هذا الوجه لأنه قدس سره ذكر أن الله تعالى دعاكم بقوله عز وجل: {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} وذكر أن المؤمن من استجاب دعوة ربه تعالى بقوله: {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ} فمن لا يجيب دعاءه تعالى لا يجيب تعالى أيضًا دعاءه، وكون الفاعل ضميره تعالى قد روى ما يقتضيه عن ابن عباس.ومعاذ بن جبل {وَيَزِيدُهُمْ} عليه عطف على ما قبله وعلى الوجه الآخر عطف على مقدر أي فيوفيهم أجورهم ويزيدهم عليها على أسلوب {وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا} [النمل: 15] وقوله سبحانه: {مِن فَضْلِهِ} [البقرة: 90] متعلق بيزيدهم مطلقًا، وجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الإجابة والثواب فضل منه تعالى كالزيادة.وأيًا ما كان فالظاهر عموم الذين آمنوا وروي عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقول له: إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها فنزلت قل {قل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشروى: 23] فقرأها عليهم، وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك عن قرابته من بعده فنزلت {أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِبًا} [الشورى: 24] فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا وندموا فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم فبشرهم وقال: {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ} وهم الذين سلموا لقوله ذكر ذلك الطبرسي، وذكر قريبًا منه في الدر المنثور لكن قال: أخرجه الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عن ابن جبير بسند ضعيف، والذي يغلب على الظن الوضع {والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} بدل ما للمؤمنين من الإجابة والتفضل.
وأصل البغي طلب أكثر مما يجب بأن يتجاوز في القدر والكمية أو في الوصف والكيفية {ولكن يُنَزّلُ} بالتشديد، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو بالتخفيف من الإنزال {بِقَدَرٍ} بتقدير {مَا يَشَاء} وهو ما اقتضته حكمته جل شأنه {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ} محيط بخفيات أمورهم وجلاياها فيقدر لكل واحد منهم في كل وقت من أوقاتهم ما يليق بشأنه فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط حسا تقتضيه الحكمة الربانية ولو أغناهم جميعًا لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا. واستشكلت الآية بأن الغنى كما يكون سبب البغي فكذلك الفقر قد يكون فلا يظهر الشرطية، وأجاب جار الله بأنه لا شبهة أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن وأراد والله تعالى أعلم أن نظام العالم على ما هو عليه يستمر وإن كان قد يصدر من الغني في بعض الأحيان بغي ومن الفقير كذلك لكن في أحدهما ما يدفع والآخر أما لو أفقرهم كلهم لكان الضعف والهلك لازمًا ولو بسط عليهم كلهم مع أن الحاجة طبيعية لكان من البغي ما لا يقادر قدره لأن نظام العالم بالفقر أكثر منه بالغنى، وهذا أمر ظاهر مكشوف؛ ثم إن الفقر الكلي لا يتصور معه البغي للضعف العام ولأنه لا يجد حاجته عند غيره ليظلمه، وأما الغنى الكلي فعنده البغي التام، وأما الذي عليه سنة الله عز وجل فهو الذي جمع الأمرين مشتملًا على خوف للغني من الفقراء يزعه عن الظلم وخوف للفقير من الأغنياء أكثر منه يدعوه إلى التعاون ليفوز بتغاه ويزعه عن البغي، ثم قد يتفق بغي من هذا أو ذاك كذا قرره صاحب الكشف ثم قال: وهذا جواب حسن لا تكلف فيه وهو إشارة إلى رد العلامة الطيبي فإنه زعم أنه جواب متكلف وأن السؤال قوي، وذهب هو إلى أن المراد {بِعِبَادِهِ} من خصهم الله تعالى بالكرامة وجعلهم من أوليائه ثم قال: وينصره التذييل بقوله تعالى: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ} ووضع المظهر موضع المضمر أي أنه تعالى خبير بأحوال عباده المكرمين بصير بما يصلحهم وما يرديهم، وإليه ينظر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم:«إذا أحب الله تعالى عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء»، ويشد من عضده قول خباب بن الارت نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت {وَلَوْ بَسَطَ} الآية وقول عمرو بن حريث طلب قوم من أهل الصفة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله تعالى ويبسط لهم الأموال والأرزاق فنزلت وعليه تفسير محيي السنة انتهى. ولا يخفى أن الأنسب بحال المكرمين المصطفين من عباده تعالى أن لا يبطرهم الغنى لصفاء بواطنهم وقوة توجههم إلى حظائر القدس ومزيد تعلق قلوبهم حبوبهم ووقوفهم على حقائق الأشياء وكمال علمهم نتهى زخارف الحياة الدنيا، وأبناء الدنيا لو فكروا في ذلك حق التفكر لهان أمرهم وقل شغفهم كما قيل: فلعل الأولى ما تقدم أو يقال: إن هذا في بعض العباد المؤمنين فتأمل.
وقول صاحب الكشف: لقائل أن يفرق بين إذا وإذا ما الظاهر أنه ليس في محله وقد نص الخفاجي على عدم الفرق وجعل القول به توهمًا، وكذا نص على أنها تدخل على الفعلين ظرفية كانت أو شرطية، وقيد ذلك الطيبي بما إذا كانت عنى الوقت كما هنا، وضمير {جَمْعِهِمْ} قيل للسموات والأرض وما فيهما على التغليب وهو كما ترى، وقيل: للدواب المفهوم مما تقدم وضمير العقلاء للتغليب المناسب لكون الجمع للمحاسبة، وقيل: للناس المعلوم من ذلك ولعله الأولى.
|